فصل: شرح حديث جبريل - عليه السلام مجموع فتاوى و رسائل - 3

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


محمد بن صالح العثيمين

شرح حديث جبريل - عليه السلام مجموع فتاوى و رسائل - 3

نص الحديث

عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -قال‏:‏ ‏(‏بينما نحن عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه قال‏:‏ يا محمد أخبرني عن الإسلام‏؟‏ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الإسلام، أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا‏)‏‏.‏ قال‏:‏ صدقت ‏.‏ قال‏:‏ فعجبنا له، يسأله ويصدقه‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن الإيمان‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره‏)‏‏.‏ قال‏:‏ صدقت‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن الإحسان‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإن يراك‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن الساعة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن أماراتها‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ثم انطلق فلبثت مليًا ثم قال لي‏:‏ ‏(‏يا عمر أتدري من السائل‏؟‏‏)‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‏)‏‏.‏

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى، ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‏.‏ أما بعد‏:‏

أيها الأخوة المؤمنون‏:‏ سأل جبريل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الإيمان بعد أن سأله عن الإسلام قال‏:‏ فأخبرني عن الإيمان‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره‏)‏‏.‏

والإيمان هو‏:‏ ‏"‏الاعتراف المستلزم للقبول والإذعان‏"‏ أما مجرد أن يؤمن الإنسان بالشيء بدون أن يكون لديه قبول وإذعان، فهذا ليس بإيمان، بدليل أن المشركين مؤمنون بوجود الله ومؤمنون بأن الله هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المدبر للأمور، وكذلك أيضًا فإن الواحد منهم قد يقر برسالة النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا يكون مؤمنًا، فهذا أبو طالب عم النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يقر بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، صادق وأن دينه حق يقول‏:‏

لقد علموا أن ابننا لامكذب ** لدينا ولايعنى بقول الأباطل

وهذا البيت من لاميته المشهورة الطويلة التي قال عنها ابن كثير‏:‏ ينبغي أن تكون إحدى المعلقات في الكعبة، ويقول أيضًا‏:‏

ولقد علمت بأن دين محمد ** من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة ** لرأيتني سمحًا بذاك مبينا

فهذا إقرار بأن دين الرسول، صلى الله عليه وسلم، حق، لكن لم ينفعه ذلك، لأنه لم يقبله ولم يذعن له فكان ـ والعياذ بالله ـ بعد شفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم، في ضحضاح من نار، وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه ـ نسأل الله تعالى أن يعافينا وإياكم من النار ـ وهو أهون الناس عذابًا لكنه يرى أنه أشدهم عذابًا، وكونه يرى أنه أشدهم عذابًا، فهذا تعذيب نفسي قلبي، لأن الإنسان إذا رأى غيره مثله في العذاب أو دونه يهون عليه ماهو فيه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 39‏]‏ ‏.‏

وعلى هذا فنقول‏:‏ إن الإيمان ليس مجرد الاعتراف، بل لابد من الاعتراف المستلزم للقبول والإذعان، ولقد عجبت أيما عجب حينما صعد جاجارين الروسي إلى الفضاء، وقال بعد أن صعد الفضاء ورأى وشاهد الآيات العظيمة، قال‏:‏ إن لهذا الكون مدبرًا، ومع ذلك فلم يؤمن‏.‏

الركن الأول‏:‏ الإيمان بالله

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أن تؤمن بالله‏)‏‏.‏ والإيمان بالله - عز وجل - يتضمن الإيمان بأربعة أمور‏:‏

الإيمان بوجود الله، والإيمان بربوبية الله، والإيمان بألوهية الله، والإيمان بأسمائه وصفاته‏.‏

أولًا‏:‏ الإيمان بوجود الله

وهو أن تؤمن بأن الله تعالى موجود، والدليل على وجوده العقل، والحس والفطرة، والشرع‏.‏

أولًا‏:‏ الدليل العقلي

فالدليل العقلي على وجود الله ـ عزوجل ـ أن نقول‏:‏ هذا الكون الذي أمامنا ونشاهده على هذا النظام البديع الذي لا يمكن أن يضطرب ولا يتصادم ولا يسقط بعضه بعضًا بل هو في غاية ما يكون من النظام ‏{‏لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 40‏]‏ فهل يعقل أن هذا الكون العظيم بهذا النظام البديع يكون خالقًا لنفسه‏؟‏ كلا لا يعقل، لأنه لا يمكن أن يكون خالقًا لنفسه إذ إن معنى ذلك أنه عدم أوجد موجودًا، ولا يمكن للعدم أن يوجد موجودًا، إذًا فيستحيل أن يكون هذا الكون موجدًا لنفسه، ولا يمكن أيضًا أن يكون هذا الكون العظيم وجد صدفة، لأنه على نظام بديع مطرد، وما جاء صدفة فالغالب أنه لا يطرد ولا يمكن أن يأتي صدفة لكن على التنزل‏.‏

ويذكر عن أبي حنيفة - رحمه الله - وكان معروفًا بالذكاء أنه جاءه قوم دهريون يقولون له‏:‏ أثبت لنا وجود الله فقال‏:‏ دعوني أفكر، ثم قال لهم‏:‏ إني أفكر في سفينة أرست في ميناء دجلة وعليها حمل فنزل الحمل بدون حمال، وانصرفت السفينة بدون قائد، فقالوا ‏:‏ كيف تقول مثل ذلك الكلام فإن ذلك لا يعقل ولايمكن أن نصدقه‏؟‏ فقال‏:‏ إذا كنتم لا تصدقون بها فكيف تصدقون بهذه الشمس، والقمر، والنجوم، والسماء، والأرض، كيف يمكن أن تصدقوا أنها وجدت بدون موجد‏؟‏‏!‏‏.‏

وقد أشار الله تعالى إلى هذا الدليل العقلي بقوله‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 35‏]‏ ‏.‏

وسئل أعرابي فقيل له‏:‏ بم عرفت ربك‏؟‏ والأعرابي لا يعرف إلا ما كان أمامه فقال‏:‏ البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير‏؟‏ بلى‏.‏